الغرض من هذه الصفحة هونشر المعلومات والمناقشة العلمية للمهتمين بالصحة العامة في مصر وصلتها بالتنمية البشرية والعدالة الاجتماعية. وعند القيام بذلك، تلتزم هذه الصفحة أن تتخذ موقفا محايدا وتعرض وجهات النظر كافة على قدم المساواة. الاعمال المقدمة في هذه المدونة تم تقديمها بناء علي أراء عدة خبراء في مجالاتهم.

السبت، 5 نوفمبر 2011

طريق مصر لتأمين صحي اجتماعي

في عام 2005، أعلنت مصر رسميا أن هدفها للوصول لرعاية صحية متكاملة سيتحقق من خلال نظام تأمين صحي اجتماعي لجميع مواطنيها.  و يعتبر هذا أول اعلان عن التأمين الصحي كنظام "تمويلي"  معتمد لتغطية صحة كل المصريين منذ عام 1964. وكان هدف  هذا الاعلان هوالبدء أولا بتغطية العمال والموظفين في الحكومة والقطاع العام والخاص للوصول تدريجيا لتغطية تأمينية صحية شاملة لجميع المصريين. وكان من المنطقي البدء بهذه المجموعة نظرا لامكانية وسهولة تجميع اشتراكاتهم من أصحاب الأعمال والعاملين المقيدين في النظام.  كما شملت أيضا هذه  التغطية أصحاب المعاشات والأرامل وان ادت الي أعباء مالية إضافية علي التأمين الصحى نظرا لعدم وجود اشتراكات من أصحاب الأعمال مقابلة لاشتراكات المنتفعين، كما أن تكلفة الخدمة الصحية لفئة كبار السن هي الأعلي. ايضا من مشاكل النظام الذي تم العمل به هو السماح للشركات الأكثر غني وقدرة علي دفع مساهمات أعلي والتي يمكن ان تمول النظام  أن تنسحب مقابل دفع مساهمة محدودة. وبالوقت تدرج التوسع ليشمل الأطفال في المدارس.  و لاحقا تم السماح بتغطية اختيارية لبعض الأطفال في السن قبل المدرسي بدون مساهمات حكومية في المقابل .

كما استعرضنا هناك عوامل مختلفة حدت من قدرة النظام علي التوسع في التغطية التأمينية الصحية لعموم المواطنين، الا أن الوضع زاد تعقيدا علي مر السنين. فالتأمين الصحي قام بتغطية تكلفة خدمة منتفعيه ( محددين طبقا لقوانين وقرارات وزارية) من مساهمات بعضهم والتي ظلت ثابتة لعشرات السنين في غياب مساهمات من الدولة لبعض الفئات. وقد حاولت الدولة علاج هذا بضخ دفعات من الاموال عند الحاجة علي فترات غير مرتبطة بمساهمات لمجموعات محددة أومن خلال مطالبة التأمين الصحي بالترشيد في نفقاته في وقت تزداد فيه تكلفة الخدمات الصحية وتزداد توقعات المجتمع لمحتوي حزمة الخدمات الصحية التأمينية و نوعية الخدمات المقدمة. وفي ذات الوقت زادت توقعات المجتمع في ان تقوم الدولة بتغطية اي عجز في تكلفة الخدمات الصحية مع عدم الاستعداد للمساهمة في أي زيادة للاشتراكات لمن يساهم او لدفع اشتراكات  جديدة لمن يطمح في الاشتراك في النظام اعتمادا علي توقعاتهم بأن الدولة ستقوم بتغطية اشتراكاتهم علي اساس أن الصحة حق من حقوق المجتمع.

وبعد خمسون عاما كانت النتيجة تغطية تأمينية بلغت أكثر قليلا من نصف السكان. وهي أيضا تغطية غير متساوية حتي  داخل الأسرة الواحدة. فقد نجد رب الأسرة الموظف وابنته التلميذة في المدرسة مؤمن عليهم ، في حين أن زوجته ربة المنزل وابنه الطالب في الكلية غير مؤمن عليهم. كما نجد فقراء معاِش الضمان الاجتماعي والعاملين باليومية أو في مؤسسات صغيرة غير مؤمن عليهم حيث يتلقون خدماتهم العلاجية في مرافق الصحة الحكومية في حين أن المنتفعين بالتأمين الصحي يتلقون خدماتهم الصحية في مرافق التأمين الصحي.

وكالعادة فالمتهم الأول في التأخر في التوسع في نطاق التغطية للنصف الأخرمن سكان مصر  كان هو النقص في تمويل قطاع الصحة. وبالفعل تم ذكر أرقام محددة من البليونات من الجنيهات المصرية التي أفترض أن توافرها يمكنه أن يمول التغطية الصحية بشكل مستدام.  ومع أن هذا المبدأ قد يكون صحيحا في كثير من الاحيان خاصة عندما يتم تقدير تكلفة الفرد للحصول علي مجموعة معينة من الخدمات في فترة زمنية محددة مقارنة بما يحصل عليه الفرد في دول أخري مثلنا أو متقدمة علينا أو مقارنة بتوصيات من منظمات عالمية أو بالتذكير بقيام  مصر بالتوقيع علي اتفاقات دولية ملزمة؛ الا ان توافر ذلك التمويل ان حدث قد لا يعني بالضرورة صحة أفضل. فوزارات المالية في جميع بلدان العالم دائما ماتطلب ادلة علي أن استخدام الاموال المتاحة أولا كان فعالا وتطلب أدلة علي أن التشغيل كان أكثر كفاءة. ومع الحالة العامة من عدم الرضاء عن الخدمات الصحية من الشعب والتي يتم التعبير عنها بمختلف الوسائل تبقي عملية الاثبات أكثر صعوبة خاصة في ثلاثة مجالات: (1) فعالية و كفاءة الخدمات الصحية العلاجية، (2) توفر الحماية التأمينية أو المالية من تكلفة العلاج للفئات المشتركة، (3) رضاء المنتفعين عن الخدمات الصحية الحالية.  ومع هذا فقد حققت مصر نتائج غاية في التقدم في خفض وفيات الاطفال والامهات قليلا ما تذكر، الي جانب القضاء علي انتشار مرض شلل الأطفال و خفض احد الامراض المتوطنة في مصر وهو مرض البلهارسيا، والفضل في ذلك يرجع أساسا لجهود الصحة الوقائية وقطاع الرعاية الصحية الاساسية في مصر والعاملين المجهولين في وزارة الصحة المصرية.

ولكن السؤال المطروح، اذا كان هذا النظام له هذه التعقيدات في مصر،  فلماذا تلجأ الدول للتأمين الصحي الأجتماعي في المقام الأول؟ والاجابة المباشرة هي الرغبة في الحصول علي أموال اضافية للرعاية الصحية . فالاستنتاج المباشر دائما أن النقص في تمويل الرعاية الصحية يؤدي إلى سوء نتائج الحالة الصحية، أحد الاهداف الرئيسية لأي نظام صحي. و الاجابة غير المباشرة هي الحماية من النفقات الصحية الكبيرة التي يمكن أن تؤدي إلى إفلاس الأسر وإفقارها ووجود نظام يعامل المواطنين بكرامة وبشكل انساني للحصول علي رضاهم. وهاذان الهدفان الاخيران قلما يذكروا كاهداف للنظام الصحي. الا انه هناك اسباب اخري هامة للجوء للتأمين الصحي الاجتماعي.

 أولا: دعم اشتراكات الفقراء بدلاً من استخدام نظام العلاج الحر الممول من خلال ايرادات الدولة العامة خاصة عند عدم توفر تمويل كافي لمثل هذا النظام في الدول النامية لتقديم  جودة معقولة للجميع.

 ثانيا:  اخلاء جانب من الأموال العامة لتخصيصها لما يسمي السلع و الخدمات العامة ( and Services  Public Goods) او بما يمكن أن نسميه في هذه الحالة خدمات الصحة العامة.

ثالثا: فصل المسؤوليات المتعلقة بجمع وإدارة تمويل التأمين الصحي الاجتماعي عن المسؤوليات المتعلقة بتقديم الرعاية الصحية للمنتفعين وأساسا بغرض وضع أسس واضحة للمحاسبة والجودة و الوصول لافضل الأسعار للمنتفعين. في هذه الحالة يتم التعاق مع مقدمي الخدمات الصحية ككيانات منفصلة محاسبيا خاصة اذا كانت مملوكة للدولة علي أن تكون مسؤولة أمام المرضى لنوعية الخدمات المقدمة.

رابعا: استخدام قدرات المنظمات غير الحكومية (NGOs) ومقدمي خدمات القطاع الخاص إلى تحسين الوصول بالمؤمن عليه للرعاية الصحية عن طريق التعاقد.

وفي الختام، فالتأمين الصحي الأجتماعي، مثل أي نظام تأمين صحي لكن يختلف في أهدافه الاجتماعية وبالتالي نوعية منتفعيه فهو لا يقتصر فقط علي القادرين.  هو نظام تمويلي يخدم منتفعيه (قادرين وغير قادرين) لتوفير خدمات صحية من خلال تعاقده مع  مقدمي خدمات صحية اينما كانوا في القطاع الحكومي او الخاص او الاهلي. فالتأمين الصحي الاجتماعي يسعي للحصول علي اعلي جودة متاحة في سوق الخدمات الصحية باقل سعر لصالح منتفعيه وبطريقة شفافة تتيح المسائلة بما انها أموال عامة مثلها في ذلك مثل أموال التأمينات الاجتماعية. وفي سبيله لذلك يقوم بتحصيل اشتراكات من منتفعيه بهدف اقلال المخاطرالصحية والمالية عليهم  والحصول علي رضاءهم عن الخدمات الصحية المقدمة. الا انه نظام يفترض أن تكون اشتراكاته اجبارية لتحقيق مبدأ التكافل حيث يقوم المنتفعين القادرين علي المساهمة بدفع أشتراكات دورية وتقوم الدولة بتغطية قيمة اشتراكات الغير قادرين من أيراداتها العامة.

ولكن هل يحدث هذا؟  هذا حديث اخر.  

هناك تعليق واحد: